الكرامة من الله في الإسلام

مفهوم الكرامة من الله

الكرامة هي من أعظم المفاهيم التي تتردد في كثير من السياقات الدينية والفلسفية، وتمثل قيمة إنسانية عظيمة تتجاوز المعايير الدنيوية إلى مستوى روحي وعقائدي عميق. لا يمكن لأي بحث حول الكرامة أن يغفل عن ربطها بمفهوم الدين، تحديدًا في الإسلام، الذي يولي هذا المفهوم أهمية كبيرة باعتباره من مقومات الحياة الإنسانية الكريمة. فكرامة الإنسان ليست مجرد جائزة أو مكافأة يحصل عليها الإنسان بعد إجراء عمل أو تحقيق هدف ما، بل هي حالة جوهرية تكمن في صلب الفطرة الإنسانية، ويعطيها الله لعباده لتمثل دليلاً على فضله ورؤيته لهم في صورهم المثالية.

تتمثل الكرامة من الله في إعلاء مكانة الإنسان، حيث تكون هذه المكانة في كثير من الأحيان متعلقة بالحالة الروحية، وتقدير الشخص على عمله الصالح، وعلى استعداده لتلقي الهداية والنعمة الإلهية. ومن هذا المنظور، يصبح الإنسان حائزًا على كرامة إلهية في مختلف مراحل حياته، بدءًا من نشأته إلى أكمل مراحل عمره، وأساس هذه الكرامة هو أن الله قد كرمه في جميع مخلوقاته.

الكرامة في القرآن الكريم

تعتبر الكرامة من الله في القرآن الكريم تجسيدًا للمعنى الذي يربط العبد بربه ارتباطًا وثيقًا. ففي القرآن الكريم، يصرح الله عز وجل بأن الإنسان قد فُضّل على غيره من المخلوقات في قوله تعالى: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا” (الإسراء: 70). من خلال هذه الآية، يظهر فضل الله عز وجل على بني آدم، بحيث منحهم كرامة عظيمة لم يخص بها غيرهم من المخلوقات، ورفعهم في ترتيب الوجود، وجعلهم محل التكريم والرعاية.

تتمثل الكرامة في القرآن في منح الله للإنسان القدرة على التمييز بين الخير والشر، وعلى الفهم الصحيح للمفاهيم الأخلاقية والدينية. هذه القدرة هي من أهم علامات كرامة الإنسان عند الله، حيث لا يُعقل أن يُكَرَّمَ الإنسان بغير منحه هذه القدرة الفطرية التي تعينه على اتخاذ القرار الصحيح في حياته. والكرامة في القرآن الكريم أيضًا ترتبط بالتزام الإنسان بتعاليم الله عز وجل، ومتى استجاب لهذه التعاليم، حظي بمزيد من البركات والنعم الإلهية.

الكرامة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم

لقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم في العديد من أحاديثه الشريفة على الكرامة الإلهية التي منحها الله تعالى للإنسان. فقد قال صلى الله عليه وسلم: “إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا” (رواه مسلم). من خلال هذا الحديث، نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يشدد على الحفاظ على كرامة الإنسان في جميع جوانب حياته، سواء في حياته الشخصية أو في تعامله مع الآخرين. وبذلك يظهر لنا أن الكرامة لا تقتصر على الجانب الروحي، بل تشمل الجوانب الاجتماعية والإنسانية الأخرى التي تحترم حقوق الأفراد.

الكرامة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم تتجسد أيضًا في احترام حقوق الإنسان الأساسية، مثل الحق في الحياة، والحق في الحرية، والحق في احترام الذات. فبناء على هذا الفهم، تتضح مسؤولية المسلم تجاه الحفاظ على كرامته وكرامة الآخرين. إن مفهوم الكرامة من الله في الإسلام يقتضي أن يكون المسلم دائمًا محسنًا في تعامله مع الناس، ملتزمًا بقيم العدل والمساواة، وألا يُسيء إلى أي شخص بغض النظر عن عرقه أو دينه.

علاقة الكرامة بالتواضع

رغم أن الكرامة هي من أعظم النعم التي أنعم بها الله على الإنسان، إلا أن التواضع هو السبيل الحقيقي للمحافظة على هذه الكرامة. في الإسلام، التواضع لا يعني التقليل من قدر الإنسان أو التنازل عن حقوقه، بل هو سمة من سمات الأفراد الذين يشعرون بعظمة الله وحكمته في جميع الأمور. في الحديث الشريف: “من تواضع لله رفعه” (رواه مسلم)، نجد دعوة صريحة إلى تواضع المسلم، وذلك لأن التواضع يساهم في حفظ الكرامة.

المتواضع هو الذي يدرك أن مكانته الحقيقية لا تأتي من مال أو جاه أو منصب، بل من عمله الصالح وإيمانه بالله. إذًا، الكرامة الحقيقية تأتي من الاقتراب إلى الله سبحانه وتعالى من خلال التقوى والعمل الصالح. وهذا يتطلب من المسلم أن يحافظ على نفسه متجنبًا الكبرياء والغطرسة، وأن يكون دائمًا في حالة من السعي لنيل رضا الله تعالى.

الكرامة والابتلاءات

من المفاهيم الهامة التي تتعلق بالكرامة من الله هو فكرة الابتلاءات والاختبارات التي يواجهها الإنسان في حياته. قد يظن البعض أن الكرامة من الله لا تكون إلا في الأوقات التي يكون فيها الإنسان في حالة من الرفاهية والنعيم، ولكن الحقيقة أن الكرامة تتجلى في صبر الإنسان وثباته أثناء الابتلاءات. فالابتلاءات هي من وسائل الله عز وجل لاختبار المؤمنين وتقوية إيمانهم، وفيها يظهر تفاعل الشخص مع إرادة الله.

الإنسان الذي يواجه الابتلاءات بصبر ويقبل قضاء الله وقدره، ويظهر استسلامه لله تعالى، فإنه يكون قد حصل على كرامة عظيمة في عيون الله. الله سبحانه وتعالى يقول في القرآن: “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍۢ مِّنَ ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِ ۖ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ” (البقرة: 155). بهذا المعنى، يصبح الابتلاء طريقًا لنيل كرامة الله، إذا تمت مواجهته بالإيمان والتفاني في العبادة.

الكرامة في الحياة الدنيا والآخرة

الكرامة الإلهية لا تقتصر فقط على الحياة الدنيا، بل تمتد إلى الحياة الآخرة. ففي الإسلام، يتم تقدير الأعمال الصالحة والنية الطيبة من قبل الله، ويمنح الإنسان على ذلك كرامة عظيمة في الحياة الآخرة. من بين صور هذه الكرامة هي دخول الجنة برحمة الله، حيث يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “إِنَّ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ رَبَّكَ زُمَرًاۚ وَيَدْخُلُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ” (الفجر: 27-28). هذه هي أعظم كرامة قد ينالها الإنسان، وهي كرامة ثابتة ودائمة تستمر إلى الأبد.

الختام

الكرامة من الله هي من أسمى الأهداف التي يسعى المسلم إلى تحقيقها في حياته. إنها قيمة تشمل جميع جوانب الحياة الإنسانية، من الروحانية إلى التعاملات الاجتماعية، وتقتضي من المسلم أن يسعى دائمًا للحفاظ على كرامته أمام الله وأمام الناس. يمكن للإنسان أن يحظى بالكرامة عبر تقوى الله، والعمل الصالح، والتواضع، والتحلي بالصبر في مواجهة الابتلاءات. وفي النهاية، تبقى كرامة الله التي منحها للإنسان هي سر من أسرار التفوق الروحي الذي يستحقه كل من يلتزم بتعاليم دينه ويعيش في طاعة لله سبحانه وتعالى.